Tuesday, 6 March 2007

في تكريم أحمد بيضون، 2007


















لو كان عليّ وصف كلامي على أحمد بيضون*، لقلتُ مع سعيد عقل، في مطلع قصيدته على الإمام علي بن أبي طالب، أنه "هوى صعب":

كلامي على ربّ الكلام هوى صعبُ

ولو كان عليّ أن أصفه بعبارات أحمد بيضون نفسه، لقلتُ أنه "كمن تبرّع للحريري"، فمكانة الرجل مشهود لها وليست بحاجة إلى تعريف وإلى تقديمي انا بالذات.
لكن ما جعلني لا أتردد في قبول طلب الصديق عصام خليفة المشاركة في هذا التكريم، ذكرى لي عن أحمد (وهي واحدة من ذكريات كثر) لا تنفك تعاودني. ولا ريب أن أحمد نفسه لا يذكرها أو لم يتنبه إليها أصلا. كان ذلك في ليلة ليلاء من أحلك فترات الحرب اللبنانية (الفترة 1983-1985) وكنتُ غالبا ما أنام في تلك الحقبة بضيافة أحمد وعزة. ولسبب ما عجزت ليلتها عن عبور ضهر البيدر، فعدت متأخرا إلى الغربية وذهبت إلى بناية الهناء، فاتفق وصولي مع وصول سيّد الدار. رأيت في عينيه عندها إشعاع المحبة والكرم وفرح الضيافة العفوي وتجاوزه الحدود كلها، مما جعل التماع النظرة أبلغ من كل كلمن. فقلت ساعتئذ لنفسي: التكريمُ مناسبة لراوية هذه اللحظة وليت لي أن أكتفي بالرواية هذه عرفانا له وتعريفا به.

* * *
تُراني أملكُ الكلام المناسب لإيفاء أحمد بيضون حقه أو بعضا منه؟ من هو في موقعي على هذه المنصة يجنح طبيعيا لتعداد مآثر أبي علي في كافة الميادين التي تناولها، وهي كثيرة. لكنه يخشى إذّاك أن يغرق في المديح وأن يضيّع موضوعه معه. فالثناء المغدق على عَلَم من الاعلام هو الاسلوب المتداول في مناسباتنا وهو يحمل خطر مساواة الجميع في المكانة الواحدة. وعلَمُنا اليوم مميز على الصعد كلها، بدءاً بالانسان مروراً بالاستاذ الثانوي والجامعي والمناضل والمواطن والباحث إنتهاءً بالكاتب والمؤلف والمفكر. فكيف يمكن الثناء دون التفريط، ومع المحافظة على سمات المكرّم الفريدة والمميزة؟ فللنطلق بما يسميه سيوران "تمرين على الإعجاب" ولا أخفيكم ما في هذا التمرين من سرعة واجتزاء. ولد أحمد بيضون عام الاستقلال 1943 ولم يكفّ مذّاك عن البحث عن هذا الاستقلال وعن البحث فيه لتخليصه من شوائب علقت به منذ البداية وتفاقم معظمها في الفترات اللاحقة. ومسقط رأسه بنت جبيل البلدة الجنوبية التي كتب في اهداء كتابه اليها أنها " ما زالت تسأل بقلق، منذ ثلاثة أجيال، في أية بلاد تراها تكون." كان ذلك الإهداء في مطلع الثمانينات. أمّا في مطلع الألفية الجديدة فقد ختم أحد أعنف النصوص نقداً للصيغة اللبنانية بقوله: "ليس لي بلاد غير هذه البلاد ولا أحفظ ولاء لغيرها." وما عداؤه لهذه الصيغة إلا لزعزعتها استقلال الدولة حيال الخارج وسيادة سلطتها تجاه الطوائف. انتقل أحمد من القومية العربية إلى الماركسية ببطء تسارع في باريس في أواسط الستينات، فكانت الماركسية له ولقسم كبير من جيله أداة حداثة وشمول، تفتح الآفاق على العالم الواسع من جهة، وتتيح الإلمام بتفاصيل الحياة اليومية في المدارس والجامعات والمعامل والاحياء من جهة اخرى. لكن شابت هذه الماركسية- التي قادته إلى المساهمة الفاعلة في النشاط السياسي، حتى العام 1973، عبر تنظيمي "لبنان الاشتراكي" و"منظمة العمل الشيوعي"- إلفته مع الوجوديين (وفي طليعتهم سارتر) ثم مع التحليل النفسي ومذاهب البنيانية في الألسنية وميادين الاجتماع الأخرى. وكانت الماركسية، إلى ذلك، طريق خروج شيعي من الجنوب إلى المدينة وولوج نسيجها ومحاور حياتها. ولئن حطّ أحمد بيضون الرحال في لبنانية متواضعة وطموحة- قوامها "وطن معلق على إرادات أهليه، وليس ما يعصمه سوى أن مصائر هؤلاء لا تستقيم إلا به وفيه" ("معنى لبنان" في ما علمتم وذقتمُ، ص264)-، فإنه في مسألة تكوين الذات السياسية، يجسد فعل ال Aufheben الهيغلي الذي يؤكد وينفي ويستوعب ما سبقه من مواقف. فهو ما زال يتحدث بحنين عمن كانوا، في كلامه على عادل ارسلان، "المواطنين العرب"، أي مواطني العالم العربي كله وكان شكري القوتلي، على الأرجح، الأخير من بينهم لا الأول (كلمن، ص 375). وهو يخوض المعارك ضد القبلية والنظام الطائفي باسم المواطن والفرد الكلي اللذين انتهت إليهما الحضارة الغربية. عام 1984، صدرت باكورة مؤلفاته في أربعة مجلدات: ديوان شعر، وسيناريو سينمائي أخرجه برهان علوية، ومشاركات نقدية تحت عنوان مداخل ومخارج، وكتاب بالفرنسية أصبح مرجعاً لكل مهتم بالأمور اللبنانية، لبنانيا كان أم أجنبيا، يتوق إلى الخروج من تعدد وجهات النظر الداخلية وتناقضها وتصارعها إلى رؤيا شاملة وموضوعية تضيء صلة الماضي بالحاضر، وتكشف ما بين الثقافة والكتل الاجتماعية من روابط، وما في كل منها من تضاريس. كان هذا الكتاب في الأصل اطروحة دكتوراه، وحمل، عند نشره بالعربية عام 1989 ، عنوان الصراع على تاريخ لبنان. ونبادر إلى القول أن هذا المصنف من الكتب النادرة أو القليلة في الفكر العربي الحديث، إذ إن الكتاب، بالمعنى الضيّق للعبارة، غير المقالة ولو طالت، وغير مجموع المقالات الموضوعة الواحدة بعد الأخرى من غير اتصال ومن غير نظام، ولو دارت كلها حول مدار واحد. ففي الكتاب الوحدة العامة للموضوع والمنهج والأسلوب، وفيه غنى العناصر وتنوعها وشبكها بعضها ببعض في نسيج واحد وفي تصميم واحد ومعلن يعين لكل مسألة موقعها، وفيه بالنتيجة استيفاء الموضوع كاملا غير مجتزأ. لايساور أحمد بيضون طبعا "وهمُ الكمال"، ويرى أنه لم يأنف في كتابه من التكرار، وأن قارئه "وقف على خروق (التحليل) وتبين الضعف في لفق أطرافه" (الصراع...، ص427). لكن الإستدراك في خاتمة المطاف، على صدقيته وأمانته، لا ينال من كتابية الكتاب هذا في بعديها الابرزين، الوحدة وغنى العناصر. ربط بيضون تأريخ المؤرخين اللبنانيين الحديث للبنان بالجماعات، ولا سيّما بالطوائف، وبنظرتها إلى لبنان. والكتابة التاريخية أقل رضوخا من الكتابة السياسية لتقلبات الحال، ودون الكتابة النظرية اكتراث بالتماسك المنطقي. وهذا ما يعيّن ميزتها الخاصة بين سائر الممارسات الإيديولوجية. وضع بيضون، رغم تأكيده أنه لم يكن دائما بمنأى عن الصراعات الإيديولوجية، الروايات التاريخية كلها على مستوى واحد غير منحاز لهذه أو لتلك، متعاليا عنها علميا وسياسيا. أظهر المؤلف البنية المشتركة بين مذاهب التأريخ اللبنانية:"فالنظام القومي السوري...يكشف البنية العميقة التي تشترك فيها المذاهب المذكورة بعامة... أنتجت في لبنان أو إستوردت إليه، تدّعي لنفسها آفاقا تتجاوز أفق لبنان وتاريخه...فهو توكيد امتياز الجماعة إلى حدّ دعوى الاستحواذ على القيم واستبعاد الغير من نطاقها" (ص 428). ربط البنية المشتركة، أي تعظيم شأن الجماعة التي ينتمي إليها المؤرخ، بمناخ النزاع المتجدد المثير لإنفعالات الطوائف الدفاعية. تخاف كل جماعة على نفسها من الذوبان في الخصم: يتصلب المؤرخون النصارى، بالمعنى الحرفي للعبارة، أي يعلنون أنهم من صخر: "من التشديد على الحتمية الجغرافية، إلى عقيدة رجعة الأصل الحاصلة أو الممكنة، إلى عقيدة التراث المتصل" (ص429). "التاريخ المسيحي (أو الماروني) على الأخص، واثق من نفسه، راضٍ عنها"(ص 429). أما التأريخ المسلم أو العربي، فهو ينتمي على "كَسر" يعود سببه، في تعليله للأحداث إلى الغرب المفسد:"لم نعد ما كنّا، ولكن سوف نعود ما نحن"، أي سنعود إلى الأصل الذي هو أصلنا نحن. وفي هذه العودة إلى الأصل المثالي، وفي مثالية الجماعة منذ الأصل، نرى أن "التعبد للتاريخ الجاهز يودي بالضرورة إلى رفض صنع التاريخ" (ص432). في ظلّ صراع الهويات اللبنانية، الذي تغلب عليه صورة النزاع الطائفي، بين طرف ينكر آخرية الآخر، وثانٍ يميل إلى الأنعزال والتراص الذاتي، تكون الدولة "شرط التناقض المذكور وضابطه...والمدارَ الأعظم من مداراته"(ص434). وبنمو النزعة إلى الإندماج في الدولة من جانب المسلمين، ولّى العديد من مؤرخيهم شطرا من كتاباتهم شطر لبنان. ليس الصراع على تاريخ لبنان إذن جامدا أو ُثابتا أو منكفئا عن روابطه الإجتماعية والسياسية. فهو وثيق الصلة بها، وهذا الإرتباط متغير من حقبة إلى أخرى، ومختلف من مذهب إلى آخر. وإذا كان إبليس في التفاصيل، على ما يقول أهل السياسة، فجبريل فيها فيما يخص العلم الإجتماعي الأمين على الفروق أمانته على الواقع. ليست العلاقات بين السياسيين والمثقفين واحدة لدى السنة والشيعة والدروز. ويفاجئك الروم الأرثوذكس، على سبيل المثال، بما يورده عنهم المؤلف:" عليه فإن أقل السيحيين ارتباطا بالغرب هم أنفسهم حملة أكثرالمثل السياسية غربية، وهو مثال الدولة –الأمة"(ص439). ومن الكتابة التاريخية اللبنانية، الإيديولوجية في وجه أساسي من وجوهها، إلى الواقع الإجتماعي الذي ترتبط به وتتفاعل معه هذه الكتابة، ننتقل من الجدل الفكري إلى قلب المسألة اللبنانية، إلى "الرغبة الجامعة في الدولة" (ص439) التي تزامنت مع تأليف الكتاب. لا ريب أن الظروف الموضوعية كانت قد نضجت في مطلع الثمانينات من القرن الماضي لبلوغ تصوّر لبناني بهذا الشمول وهذا الإحتضان، ولا ريب أن هذا العامل أو ذاك من العاملين في ميدان الفكر التاريخي سبقه إلى هذا التفصيل أو ذاك، إلا أن أحمد بيضون كان وحده المؤهل، نتيجة مسيرته وثقافته ومنهجه ودقته وعمله الدؤوب، لا إلى إخراج هذه الرؤيا على ملأ المثقفين وحسب، بل إلى صياغتها بموضوعية وعمق والإبداع فيها واختيار الأسماء الحسنى لرسم الظاهرات وربطها ببعضها البعض. وإذا ما أضفنإلى ما سبق أمرين: البيانُ في الكتاب – وكنا نودّ، لولا تواضع المؤلف أن نطلق عليه، بالإذن من ابي العلاء المعري، اسم "إعجاز أحمد"؛ والصياغةُ الروائية البوليسية المتأنية والمشوقة للعديد من الفصول (راجع، على سبيل المثال، الفصل عن "موتى كسروان") – إذا ما أضفناهما إلى ما سبق، نكون قد رسمنا مكانة الكتاب في الفكر العربي الحديث، والدور المعوّل عليه في بناء لبنان الوطن. ويرشدنا الدور الأخيرهذا إلى أكثر الأبعاد طموحاً في الكتاب، إلى ما أتاح للمؤلف صياغة "وثيقة إتهام" بحق "كلام الهويات العقيم": ألا وهو بُعْد التحزب السياسي لدولة مطلوب إنشاؤها، والإنحياز الفلسفي إلى الصيرورة، ورديفه الإنحياز إلى الحرية النظرية في معالجة الموضوع التاريخي، وإلى الحرية العملية للإرتقاء إلى السيادة على الذات وبلوغ الكلية الإنسانية.
* *
يثير أحمد بيضون انطباعين خاطئين: الأول الإستكانة إلى شيء من الكسل والتباطؤ، وهو ما تبناه نظرياً في خاتمة الكتاب الذي أطلنا في عرضه، وجعل في مطلعها قصيدة بول فاليري "الخطى"؛ ولكننا نكتشف اليوم أن مؤلفاته قد تكدست كماً ونوعاً، وهي ثاقبة النظر، واسعة التقميش، مبسوطة الأفق، بديباجة عربية قل نظيرها أو بأناقة فرنسية تثير غيرة الفرنسيين. والثاني الركون إلى بحر المعرفة والأدب واللياقة الإجتماعية واللطف الإنساني. ثم إنك تقع على فكر ناقد لم تسلم من سهامه أي من طوائف لبنان وأحزابه وشعاراته ومظاهر حياته السياسية والثقافية. ويعاودك عندئذ ما علّلّ به عنف الرِّدة على شك طه حسين بالشعر الجاهلي إذ ينطوي هذا الشك "على طاقة تدمير ضخمة كامنة في خيارها المبدئي وفي روحها" (كلمن، ص288). ويتساءل المرء ما العلاقة بين السخرية التي يراها أحمد قائمة منذ طفولته في بنت جبيل، يوم كان موضوعها المجتمع التقليدي وعاداته الثقيلة، وهي حيّة قائمة في كل كتاباته (أذكر هنا النص الذي ألقاه من على هذه المنصة عن كتاب الإستقلال بالوثائق والصور الذي ألفه غسان تويني بالتعاون معي ومع نواف سلام) وبين النقد الذي يشكل أحد أهم أبعاد الفكر الغربي، من كنط إلى نيتشه مروراً بماركس الذي أعطى عنواناً فرعياً لكتابه العائلة المقدسة "نقد النقد الناقد". لا بدَّ أن في الأمر تلاقياً يتعدى كل تبسيط. لن أعدّد مؤلفات أحمد بيضون، فهذا الأمر متاح لكل من يتناول الصفحة المقابلة للعنوان الداخلي لإي من مؤلفاته المنشورة حديثاً. لكنني سأقطع معه شوطاً في نقد مفهوم الهوية بالإشارة إلى الكثرة التي تميّز شخصيته واهتماماته. فهو المترجم عن الفرنسية بأمانة وأناقة وروح خلاقة قلّ نظيرها، وهو الكاتب بالعربية والفرنسية كما أسلفنا، وهو الشاعر "بالعامود والتفعيلة وقصيدة النثر والعامية". وهو الأديب الذي "يفكر ثم يقول" ولا يهمل" "الصوغ والحرفة" ، باحثاً بجهد كبير عن "أحسن ديباجة أستطيعها" وهي الديباجة المناسبة للمعنى المتباعدة عن الرتابة والعجمة من جهة، وعن التزويق والتحزلق من جهة أخرى. وهو في لب عمله عالم إجتماع المعرفة والثقافة، لا بل عالم إجتماع دون إضافة يسعى إلى كشف ما سترته الإيديولوجيات، وتفكيك البنى التي قادت إلى الحرب اللبنانية وغذتها ومكنتها من الإستمرار طويلاً. وهو مؤرخ كما يظهر من مقالته عن انتخابات 1943، وباحث في مصطلح التاريخ أي في ابيستيمولوجيا هذا العلم. وهو مصلح سياسي كما يبين في أفكاره حول إصلاح الجامعة اللبنانية والنظام الإنتخابي والنظام السياسي برمته. وهو باحث لغوي درس نظرية المفردة وتكوّن المعاني وجوازها من نطاقٍ إلى نطاق. وهو صانع معاجم، وقد خضنا معاً ومع طلال الحسيني وغيره تجربة في هذا المضمار، وباحث في نظرية المعاجم العامة والخاصة. وهو ناقد أدبي وفني. ويحار كل نص من نصوصه، مثل بلدته بنت جبيل، إلى أي وطن ينتمي. لكن التعدد في كتاباته لا يخلو من وحدة، كما يرى في حوار أجراه معه عباس بيضون وبلال خبيز، هي في "المقاربة، في الإحتفال بتكوّن المعاني، في مراقبتها وهي تحصل، وهي في الرفض الواحد للإختزال أيضــاً." (ملحق النهار، السبت 22/2/1997). لا يحوز طبعاً، احتراماً لأحمد بيضون، مساواة هذه الأنشطة الفكرية بعضها ببعض. هذا مع التأكيد أن لكل نص من نصوصه نكهة خاصة به، وفيه من العمل ما يجعل له قيمة ذاتية. لكن أداء أحمد بيضون ليس متساويا في جميع ما تطرق إليه من ميادين. ولا يطلب منا أحمد القبول بآرائه في الإصلاح على أنها تنزيل، لكن الجدية كل الجدية تكون في مناقشتها والإعتبار منها. أقول في الختام، إن ما يشدني بقوة إلى أحمد بيضون المفكر هو المعركة التي يخوضها في كتاباته كلها ضد الزمن، لا زمن الصيرورة الذي توّله به نيتشة متحدثاً عن "عشق القدر" amor fati، بـل زمـن الأزلية والجمود و"التبلر". وحسب أبي علي عزماً أنه أصاب من الزمن هذا، بعمله والأدب والمناقب، مقتلاً.
فارس ساسين


*كلمة ألقيت في حفل تكريم أحمد بيضون في الحركة الثقافية انطلياس، 6 اذار2007

Monday, 5 March 2007

UN MÉMORIAL D’AVENIR





















Joseph G. Chami: Le mémorial du Liban, t.6, Le Mandat Sleiman Frangié 1970-1976, s.e, 312 pp grand format, 2006.

Avec le sizième tome de son Mémorial du Liban, Joseph G. Chami parvient au cinquième mandat présidentiel de l’indépendance, le plus flamboyant sans doute, aux pires et meilleurs sens du terme, celui de Sleiman Frangié. On ne peut qu’admirer la patience d’un auteur acharné à faire revivre l’histoire contemporaine de son pays, patience nourrie par la maîtrise des meilleurs réflexes du journalisme mais que seule peut expliquer la passion pour un Liban vécu intensément et dans ses moindres méandres.

S’agit-il de commémorer une république indépendante rentrée dans le giron de l’histoire ou au contraire d’en consigner le devenir pour mieux la faire revivre ? Le titre donné à l’entreprise est équivoque, contrairement au volume hors série de la collection paru en version anglaise sous le titre neutre de Chronicle of a war. Mais le courage d’une résurrection aussi ample, tellement précise et sans concession aucune pour les diverses parties livre aux jeunes générations libanaises (francophones en attendant la traduction en arabe) l’usage ou le mésusage des rudiments d’une vérité presque nue.

Les qualités patentes de l’ouvrage ne doivent pas laisser passer sous silence quelques erreurs mineures, des imprécisions, des manques et une lacune importante. D’abord, pour l’iconographie d’une période aussi proche, on reste un peu sur sa faim quant aux illustrations peu connues ou pas assez reproduites ; (mention spéciale doit cependant être faite à la richesse des images portant sur la répression des grèves d’étudiants, d’ouvriers et d’agriculteurs). Le prénom d’un officier chéhabiste change à quelques pages d’intervalle (p100). Le titre d’ « imam des chiites » (p217) donné à Moussa Sadr est imprécis et impropre, vu la pluralité des instances religieuses et communautaires. La notice nécrologique consacrée à Amine Nakhlé est un peu cavalière (p287). Les qualificatifs donnés à Ghassan Kanafani « poète, peintre et dessinateur » (p97) ne manquent pas de surprendre. Certains titres se ressentent de leur rapidité d’écriture (pp147 et 230). On aurait aimé voir dans le livre un dessin de Pierre Sadek représentant Frangié en paysan maronite, le fusil à l’épaule et le chapelet à la main, leitmotiv repris par la majorité des caricaturistes de l’époque ; mais la caricature qui fut florissante en ces années est absente de l’ouvrage et avec elle le grand artiste Naji el Ali qui s’illustra dans le Safir. La lacune majeure dans cette chronique totale est l’effervescence intellectuelle et artistique propre à cette période qui vit paraître les premiers ouvrages de Nassif Nassar, Georges Corm, Waddah Charara, Michel Hayek…, le retour au roman de Toufic Youssef Aouad, la confirmation de maint poète, la publication de la synthèse de Rabbath qui figure dans la bibliographie du livre… De cette effervescence qui fit de Beyrouth la capitale de la culture arabe, nous n’assistons qu’au coté théâtral et spectaculaire, généralement bien mis en relief par Chami, mais le monde des livres et des courants esthétiques marquants demeure dans une pénombre injuste. Le mode de présentation au quotidien n’est pas étranger à cette absence, mais ne la disculpe pas.

Ces failles dont la plupart s’expliquent par le coté titanesque d’une entreprise menée par un seul homme ne méritent d’être signalées qu’au vu de la qualité et de l’exigence de l’ouvrage. L’omission fait mal parce que tous les autres aspects de la vie politique et sociale font l’objet d’un examen pointilleux. Le projet de l’auteur, bien servi par la maquette de Saad Kiwan, est de reprendre année après année, mois après mois, le plus souvent jour pour jour, tout le vécu libanais sans le séparer de la tourmente régionale et de la conjoncture mondiale. L’actualité politique, les événements et acteurs qui font et défont l’Etat, la violence en ses aspects collectifs et individuels (certains crimes sont horribles), les faits économiques et sociaux, l’histoire de l’administration, la chronique mondaine, le retour cyclique de crises communautaires, la résurgence conflictuelle des problèmes libano-syriens, le devenir des mentalités(que pensent les Libanais de la peine de mort en 1971 ?) et bien d’autres rubriques font l’objet d’exposés qui en donnent une idée suffisante. Nous avons même droit à une mémoire dans la mémoire (les précédents sommets libano-syriens à l’occasion de l’actuel). Toute personne désireuse de s’engager sur une route qui la mène à ce que furent le scandale des missiles Crotale, les tentatives avortées de réformer l’Etat et la société, les poursuites judiciaires à l’égard des officiers de renseignement chéhabistes, l’affaire Grégoire Haddad à l’intérieur de l’église melkite, l’enclenchement au quotidien des mécanismes de la guerre, l’état du contentieux sur les eaux de l’Oronte dans les années 1970…dispose désormais d’une voie royale pour son parcours.

Au-delà des événements reconstitués patiemment et principalement à partir de la presse de l’époque, l’auteur tente, pour chaque année écoulée et pour la totalité du Mandat, des bilans. Par là, le journaliste qu’il n’a cessé d’être va au bout de sa probité. Mais la tâche est-elle possible alors que le sexennat, comme il le reconnaît lui-même, relève « bien plus de l’actualité que de l’histoire » ? Peut-on vraiment dire qu’en 1976 « Damas a fini par imposer sa paix » quand on sait les efforts qu’elle aura encore à déployer et les conjonctures qu’elle aura à exploiter ? Retenons cependant ce portrait du Président : « abrupt sans doute dans son comportement, fidèle dans ses amitiés, direct dans l’expression de ses pensées, l’image d’une sorte de seigneur d’un autre âge. »

On peut en conclusion dire, sans exagération ni complaisance, que toute recherche historique sur le Liban contemporain peut trouver son point de départ et son garde-fou dans le Mémorial de Joseph Chami. On doit ajouter que sans la mémoire que ce livre contribue à instaurer, il n’y aura ni démocratie libanaise, ni avancée vers un avenir meilleur.