Wednesday 24 June 2015

جائزة ميشال زكور 2015 لشارل رزق





فارس ساسين، شارل رزق، جان هاشم
سيداتي، سادتي،
أيها الحفلُ الكريم
للعام الثالث على التوالي نجتمع في هذه الدار  التراثية الرحبةوفي هذا اليوم من هذاالشهر الذي شهد غياب ميشال زكور لمنح  الجائزة التي تحملُ اسمَه وتُعطى لكتاب أو رسالة أو بحث الفّه  لبناني بإحدى اللغات الثلاث العربية والفرنسية والإنكليزية عن موضوع اقتصادي أو سياسي أو ثقافي لبناني. لم يعش ميشال زكور طويلا(1896-1937)فهو توفي عن واحد وأربعين عاما. لكن هذا العمرَ القصير كان كافيا لتأسيس صحيفة المعرض وإصدارها ماينيف عن الخمسة عشر عاما(1921-1936)ولإثبات جرأته في الحقبة الانتدابية الفرنسية ولصياغةوطنيةٍ لم تكُن مألوفةً في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، وطنيةٌ تدعو لاستقلال لبنان التام دون العداء لفرنسا ودون التنكّر للصداقةمع الدول العربية المجاورةوفي طليعتها سورياولحقّها في التحرر والسيادة، وطنيةٌ لا تستثني لبنانيا من لبنانيته وتدعو إلى سيادة القانون والعمل بالدستور وتُعادي كل طغيانٍ وظلامة. هذه السياسة صاغها ميشال زكور بمهنية عالية ورائدة في مجلته مفسحاً لجميع التيارات الوطنية الكتابةَ على صفحاتها، مضيئا على كل الأحداث الاجتماعية والاقتصادية التي حصلت /  من زواياها المتباينة/ مستشرفاً ما لهُ الطابعُ البنيوي والمستقبلي، جاعلا من المعرض دوريةً ثقافية بامتياز يَنشُرُ فيها كبار الشعراء والأدباء نتاجهم. وهذه السياسة انتهجها أيضا في الحملات الانتخابية والعمل البرلماني والممارسة الوزارية مما شكّل معالما للمرحلة الاستقلالية وما يزال يشكل دروباً مضيئة لنا.


                      ***

   تنوّعَ الانتاجُ اللبناني وباللغات الثلاث في العام 2014. وقرأت لجنةُ الجائزةِ العديدَ من الكتب القيّمة وتوقفت عند بعضٍ منها لجديدها لجدّيتها ولإنارتها جوانبَ عدة من الواقع اللبناني وتاريخه وقررت بعد نقاش مستفيض منح جائزة ميشال زكور لهذه السنة للدكتور شارل رزق عن كتابه بين الفوضى اللبنانية والتفكك السوري الصادر عن دار النهار للنشر. الجائزة كما هو معروف لا تُعطى لكاتب فرد أو لمجموع مؤلفاته إنما لمصنّفٍ بالذات. وجاء كتاب شارل رزق صاحب المؤلفات المكتوبة بالفرنسية ومنها Le Régime politique libanais  الصادر عام 1966/ ومدير عام وزارةالأنباءبين 1967 و1970/ ورئيس مجلس إدارة تلفزيون لبنان من 1978 إلى 1982 / ووزير العدل بين 2005 و2008،// بين مؤلفات ومهام جليلة أخرى،// جاء الكتابُ إذن بأهمية موضوعه وراهنيته/ ونبلِ غايتِه ومرماها الوطني الإصلاحي / ومنهجِه السليم/ وأسلوبِ معالجتِه الواضحِ والفصيح / وسعيه الحثيث للخروج من الدوّامة الحالية والواقع المأزوم بواسطة سلّة اقتراحات تعيدُ بناءَ النظامِ السياسي على قواعدَ جديدةٍ تُدهش ببداهتها واعتمادها الحسّ السليم وامتداد جذورها في عمق التاريخ اللبناني.
يقول المؤلف إنه لم يُقدِم على كتابة مذكرات بل أن "هذا الكتاب هو نتاجُ تجربة شخصية في الحياة السياسية اللبنانية"؛ ويخصص فصلا لإنشاء المحكمة الدوليةالخاصة بلبنان وكان له دورٌ كبير فيه إبّان توّليه وزارة العدل ذاكرا ما يعتريه من اعتزاز لعملها/ ومن أسى "لرؤية وطن(ه)لبنان محروماً من دولة تحمي أبناءه وتَضمنُ استقلالَه". وهكذا تُكَرّم جائزة ميشال زكور، عبر الكتاب ومعه، المؤلف الدكتور شارل رزق.
                  ***
   العلاقات اللبنانية السورية مسألةقديمةقِدم البلدين وأساسيةلسيادة كلّ منهما ورفاهيته. وردت في افتتاحية العدد الأول للمعرض في أيار 1921 إذ أضاف ميشال زكور إلى إعلانه "خدمةالمعرض لبنان خدمة مجردة من القيود والشروط": "سوريا جارة لبنان بل جارته الكريمة".             
   أخذت هذه العلاقات أشكالا مختلفة منذ الاستقلال عام 1943 ويتابعها شارل رزق بتأنٍ وعُلو عبرَ هذا التاريخ / حريصاً على الخلاصات والعِبر/ مبتعداً عن التفاصيل / مهتماً بالدروس فيما يعني لبنان "وطنُ التناقضات، المحكوم بقانون التنوّع." يقسم كتابه إلى أقسام ثلاثة يعالج فيها الأولُ "تبخّرَ الدولة اللبنانية" الذي قاد عبر اتفاقية القاهرة عام 1969 والحرب التي يدعوها أهليةً إلى "الوصاية السورية" وانتقال عاصمة لبنان الفعلية إلى بلدة عنجر البقاعية. يدرس القسم الثاني علاقات لبنان ب "التفكّك السوري" مظهراً كيف دخلت العلاقة الثنائية في تحالفات إقليمية ودوّلية تتعدّاها. وفي القسم الأخير يحاول رزق أن يرسم موقعَ لبنان في المناخ الدوليّ وفي المعادلة الإقليمية بعد 2013 متسائلا "هل يصبح لبنان دولة يوماً؟" داعياً "إلى إعادة بناء نظامنا السياسي عبر اعتماد قانون انتخابي يوفّق بين تمثيل التعدّدية الطائفية، وانتاج ثنائية سياسية تؤمّن استقرار الحكم والمراقبة البرلمانية الفعّالة، وقادرة على مساءلة الحكّام".
   يبدو شارل رزق أحيانا سريعا أو متسرعاً في أحكامه لكنه يبقى، رغم استعصاءِ الأوضاعِ وسوادِ الكثير من التوصيفات، رجلَ الأمل والدعوة إلى العمل الدؤوب الوطني المخلص.
   فمبروكة عليه الجائزة!         

No comments: