Tuesday 25 July 2017

موسى وهبة وإحياء المأدبة الفلسفية







ُإدوارد هوبر:المنارة


 ما يليق قوله في موسى وهبة أنه أحيا المأدبة الفلسفية في أحلك أيام بيروت وأنه استمر بها إلى نهايته المبكرة والأليمة والجريئة، كريما في دعواته، موّسعا رقعتها، منوّعا أطباقها. دارت مأدبة أفلاطون كما نعلم حول الحب،  وبخلاف معظم كتاباته توالى فيها جميل الأراء دون التشابك في حوار أو الانصهار في وحدة. وجاء موسى يتمّم الحرص على الحب والتنوع والتفكير رافضا اليأس منشّطاالأمل. 
عرفتُ موسى في مطلع سبعينات القرن الماضي في البيت اللبناني في باريس. كان وقتُه كله مكرّسا لمهمات الالتزام الشيوعي من نشر قصاصات جرائد وتوزيع بيانات وإقامة ندوات إلى كسب رفاق جدد إلى القضية وتشكيل لوائح للهيئات النقابية الطالبية حتى بدا لي تفرغه للعمل السياسي عائقا مهما دون دراسته وأبحاثه. وما لفتني في سلوكه عندذاك نزعتُه الأبوية الجامعة، ومسعاه الدائم للاهتمام بالوافدين الجدد في معاناتهم اليومية وبحلّ الإشكالات بين الرفاق وبينهم وبين الطلاب الآخرين. جمع الثبات على العقيدة البولشفية إلى تفهّم إنساني عميق. وليلة اكتشفت صدفة حب موسى للحياة في مترو باريسي متأخر، بدا الأمر لي غريبا لما كنتُ أعرفه فيه من جدّية تُداني التقشّف. كنّا على طرفين سياسيين متباعدين ولو من لون واحد، لذا بقينا على "مسافة طيبة" يشوبها الحذر.
بعد ذلك التقينا، عند العودة إلى بيروت، في مقاهٍ وندوات ومناقشة أطروحات...أذكر أنه بين المرّات الأول كان اللقاء في الإكسبرس (الحمرا)،وكان موسى نشر مقالا تميّز بالرفض والرغبة والغموض، وبدا مقاله قطيعةً مع ما سبق من أرائه مع مسعى لإعادة تكوينها،  وإدخالا لتيارات حديثة (فرويدية، نيتشوية،لاكانية، دولوزية...)إلى صميم المُعاش وتأويله، ونقد جذري معلن وغير معلن للميليشوية السائدة والمقيتة.
إرتبط اسم موسى وهبة بترجمة نقد العقل المحض لكنط وآمل أن يسجل التاريخ ما لهذه الترجمة من وقع في الوسط التعليمي ومن دور في إحياء الفلسفة، وذلك بصرف النظر عن خياراتها التفصيلية القابلة للتبرير وللمناقشة والرفض. أعطى موسى كنط أهميته المحورية في تاريخ الفكر الغربي، وجعل من التفلسف بالعربية اعتمادا على مفاهيم الحداثة، وبدون المرور بالتيارات الدينية وبالفلسفة العربية الوسيطة على أهمية الكندي والفارابي وابن رشد وغيرهم، مهمة قابلة للتنفيذ هنا والآن. ما جذب موسى في كنط، وما شكّل ويشكل درسا استفاد منه طلاب موسى وزملاؤه ومحاوروه، هو بالضبط ما أعابه عليه نيتشه عندما أطلق على كنط اسم "إسكافي الفلسفة" أي العامل الحرفي الحريص على كل تفصيل، الملمّ بدقائق الأمور. الفلسفة حرفة صارمة، وهذا ما لا يتعلمه المريد إلا عبر المرور بالنقد الكنطي، وهذا ما أخذه طلاب موسى عنه فكان للمأدبة هيكلها وقوامها. وما وجده موسى في كنط، ضد هيغل وماركس وآخرين، هو إبراز الثنائيات وبلورة المفارقات وكشف الإلتباسات، فكان للمأدبة بهجتها ودوامها. لا أدخل هنا في قلب المسائل، أكتفي بالبعدين التعليمين: موسى وهبةكمربٍ!

وكأس مُترَعة لمأدبة لن تنتهي!        
                


فتى الإيمانين والرجاء الواحد: فيليب سالم





تقرأ فيليب سالم على صفحة النهار الأولى - واليوم مجموعاً في كتاب -  وتسمعه على مرّ السنوات وفي المناسبات كافة، في الانتصارات والهزائم، والأفراح والأتراح، فتأخذك فتوته وعنفوانها. لا يستكين، لا يهدأ، لا يملّ، لا يستسلم، لا يفقد القدرة في الدفاع والهجوم. يُشفي ولا يَشفى. متوثبٌ للإلمام بالجديد وللتحكّم بما طرأ ولمراجعة ما حصل طلباً لإدراك الفائدة منه والأذى فيه. لكنه ثابت على الإيمان أو قلّ على إيمانين اثنين: لبنان والمعرفة، يوآلف بينهما، يكاد أن يماهيما، لكنه لا يضيع[1]. فهو فتى[2] الثوابت وهو فتى التقدم غير الآبه بالسكون والرّضا. علّمه الطبُّ، مداواةً وبحثاً، ما العلمُ ولم ينسِه ما الوطن. كثرت المشاغل والهموم وبقيت وتيرة الشغف على ازدياد.
          بأي لبنان يؤمن؟ يبدأ بالضيعة والألفة والأهل ، بالشجر والتراب والضياء، ويسافر بالحكايات والأغنية والحنين إلى الحواضر والمهاجر، ويتعارك في كل آن  مع آلامه وأمراضه ولعناته،ما استُقدم منها وجاء من "لعبة الأمم" وما توّلد من ذاته ورسخ فيه. لبنان جوهر عالق في شوائبَ تلازمه، تتسلل إلى لبّه، تقبع في داخله. ولا يكون خلاصه إلا بالرؤية النيّرة والجهد الدؤوب واستجماع الإمكانات المتاحة وحسن استخدامها. "التعامل مع العالم بواقعية وذكاء وجرأة. هذا هو التحدّي التاريخي لإنقاذِك..."
          ما يميّز لبنان، ما يرسمه على خريطة العالم وشرق المتوسط بالأخص، ما يجعله أهلاً لكل حرب تخاض باسمه وفي سبيله هو تلك الحرية التي عاشها وصنعته والتي حافظت عليه وحافظ على نبضها في أحلك الظروف وأقسى المآسي وأسفل الدركات. الحرية غاية ووسيلة، وما تتيحه وترنو إليه هو الإبداع. وليس لبنان ذاته إلا حراً مبدعاً. هذه عبرة كِبارِه، وهذا ما وجده فيليب سالم عند جبران خليل جبران الأديب وشارل مالك الفيلسوف ومايكل دبغي الطبيب الجرّاح  وهذا ما استخلصه من الأعلام والأصدقاء وأراد أن يكون له وفياً كل الوفاء.
           ما يميّز المعرفة هو السبيل والمآل، هو المسعى الشاق للولوج إلى جواهر الأشياء وحلّ ألغازها. وما تولدّه هذه "الثقافة"[3]، هو الوحدة والانعتاق، هو الخروج من المِلَل والنِحَل المفتّتة للكيان الإنساني  والتحرر من الأوهام لرؤية الواقع رؤيةً صحيحةً صائبةً مفيدةً لخير البشر وحياة الأرض. العصبيّات الاجتماعية والفكرية، يجدها الأفراد والمجموعات في محيطهم  فيأنسون بها بحكم الفطرة والعادة، يستسلمون لها ويتحمّسون. يكرهون ويقتلون لأجلها. أمّا طريق العلم فغير معبّدة و شاقة وغير مضمونة النتائج. لذلك تحفّز الهممَ وتظهرأفضل ما في البشر وتولّد المحبة في الانسان. "الحب هو القوة التي تحوّل العملَ من شيء تقوم به ويبقى خارجك إلى شيء تقوم به ويصبح أنت". مقنِعٌ فيليب سالم في توجهه إلى أجيال الخريجين، إلى الشابات والشباب، لأنه يكلّمهم على أشياء عرفها وخبرها، وما زال يكابدها في مختبرات الطب والحياة؛ لأنه يوآلف في كلامه بين الحس الشعبي السليم والتطلع الأخلاقي المترفّع والشعائر الدينية المتسامية ومكتسبات الفلسفة، قديمُها المثمّنُ للسعادة وحديثُها المؤكِدّ على الواجب وعلى كلية الإنسان أينما حلّ وكان. وكل ذلك في صياغات بسيطة تستعير من صور الصلاة وتعابيرها وتصوراتها الألقَ والجمالَ ودفء التراث ورسوخه. " إنه كلما غُصتَ في المعرفة كلما اقتربتَ من الله، وكلما اقتربتَ من أخيك الانسان".


  *    *      *
          "جنون محبة"، هذا ما يصف به كاتبُنا تعلّقَه بلبنان وشغفه به. لكن ما يبدو لناظره عاطفةً جامحةً يُترجم في المقالات والخطب إلى لغة العقل، فنقع على وطن يسعى عاشقُه إلى لملمة ما يميّزه بل أفضل ما يميّزه ويحوّله إلى رؤية متماسكة متكاملة متسامية. ينهل فيليب سالم من ميشال شيحا، من شارل مالك، من كثيرين غيرهم أرادوا بناء الوطن الصغير على قاعدة فكرية تاريخية قانونية صلبة و يستنجد بيوحنا بولس الثاني ومحمد خاتمي ليؤكد على الرسالتين: "الرسالة" والدفاع عنها. ينتقل من عبارة "رسالة لبنان" إلى عبارة "معنى لبنان" الأكثر حداثة وحيادية والأقل التصاقا بأيديولوجية سادت قبل الحرب وظلّت موضوع أخذٍ وردّ. لكنه يبقى مدهشاً في قوة تصوره وعمق رؤياه وشمول عناصره وموضوعية نظرته وتنزّهها عن إيدولوجيات المكوّنات الطائفية.
 لن أختصر هنا ما سبكه المؤلف بإيجاز واناقة يصعب مجاراتهما، ف"المداميك" هنا بوضوحها وإشراقها تكون بالعيش المشترك والحرية  والديموقراطية و"العالمية" (أي تلاقي ثقافات العالم كلها في المساحة الصغيرة).
          يأخذك كلام فيليب سالم لأن صاحبه ملتزمٌ متنوّرٌ من خارج ميدان السياسة والصحافة والعلوم الإنسانية، ولأنه على الرغم من إقامته في الخارج ، متردداً على لبنان،  يعيش محنَ بلاده في كل آن لا بل في كل تفصيل، متابعاً مجريات العالم  والسياسة الأميريكية بدقة.
يأخذك كلامه لأنه  لا يمتّ بصلة إلى السجالات الطائفية اللبنانية ولغتها البشعة وطموحاتها الدنيئة ، ولأنه لا يتراجع عن  الثوابت الوطنية بل يؤكدها باستمرار.
 يأخذك لأنه مسبوك بروح العصر غير صادر من كهف أو من خارج الزمان، بل موقعٌ على إيقاع صديق العمر غسان تويني. يتعلم منه ويتحاورمعه في مسرحه الداخلي، مؤيداً أو معارضاً، ساعياً إلى الأهداف ذاتها.
يأخذك لأنه في كشفه  عن مزايا لبنان لا يسكت عن الهنات والسقطات ولا يتأقلم مع السائد من الأوضاع مسمّيا الذل والقهر والخنوع باسمائها داعياً إلى مواجهة الإرهاب و"التنين" يومَ كانت الجمهورية في القعر.  "هذا الإرهاب هو فرضُ الفكرِ الواحدِ، فكر الحاكم الواحد، على المحكومين جميعاً...فإما الطاعة وإما السجن."[4] ولأنه لا يتمسّك بالرموز حين تخفى الوقائع[5]، ولا يكتفي بالقليل المتيسر بل يطلب ، على سبيل المثال ، رئيساً للجمهورية " بحجم مانديلا وحجم لبنان." [6]  
 يأخذك لأن كلامه عقلاني في صميمه يدعو إلى الحوار ويقبله، ويدرك ما للعقلانية من متطلبات. ف"العقلانية الأداتية"Zweckrationalität, rationnalité instrumentale، كما يسمّيها ماكس فيبر، تستلزم الوسائل الصالحة لبلوغ الغاية المنشودة. والأمر في السياسة حاسم. لا يكون إصلاحُ لبنان وخروجُه من مستنقعات التبعية والفساد والطائفية...إلا بسيادته على ذاته: "اللبنانيون يعرفون جيدا أن الحاكم، إن لم يكن سيّد القرارلا يكون سيد نفسه ولا سيّد الأرض"[7]. ولا يكون إلا بضبط السلاح وإخضاعه لقرار الشرعية وصولا إلى "حصرية السلاح في يد الدولة وحدها"[8]  . وكذلك لا يكون إلا بفصل الدين عن الدولة وبناء "الدولة المدنية"[9]. ولا يكون في نهاية المطاف إلا بأفضل العلاقات مع الدول العربية المجاورة، وبالخروج من المحاور الإقليمية والدولية المصادِرة لإرادتنا المستنزِفة لطاقاتنا،  وبتحيّن الفرص السانحة للاستفادة من أي مستجدّ  وترقّب الأمور بالجدية اللازمة والسرعة المطلوبة والاعتماد الدائم على الشرعية الدولية.
يأخذك الكلام لأنه، في تشديده على "نهائية" لبنان وطناً "لجميع أبنائه" كما ورد في اتفاقية الطائف ومقدمة الدستور، وعلى استقلاله ورفض ذوبانه في كيان آخر وفقدان هويته وتميّزه،  لا يأنس عبارة "الوجه العربي" ويؤكد  "أن لبنان بلدٌ عربي من رأسه إلى أخمص قدميه". وتُظهر الصفحات المخصصة للعرب، في أميركا وفي ديارهم، مدى تبنّي فيليب سالم لقضاياهم واحتضانِه لانتفاضاتهم وثوراتهم ودفاعِه عنهم. وما محاسبته القاسية لهم أحيانا إلا من باب الحرصِ على مصالحهم ومشاركتِهم تطلّعاتهم والآمال. ومقالته عن "راهب العروبة" الصديق كلوفيس مقصود خير شاهد على عروبة عميقة في اللبنانية العتيقة.

                            *       *       *
          تقرأ كتاب فيليب سالم رسالة لبنان ومعناه،فتخالفه في عبارات قليلة مثل "انصهار"[10] التي تغّلب النارَ والمعدن. ولا تتذمر من بعض التكرار لأنه تأكيد على الثوابت، ومسعى محمود لتنويع الصياغات على مدى الأعوام واختلاف الظروف. تجد نفسك أمام كتاب تاريخ يعيدك إلى عقودٍ مرّت وفرصٍ فاتت وأحلامٍ لم تتحقق ومهامّ لم تنجز. لكنه يبقى أولا وأخيرا كتاب الأمل المضيء، كتاب السبل المؤدية إلى بلوغ السيادة والإصلاح والمعرفة والسمو بالذات. ويسرّك أن خواتمه تتوجه إلى الشباب والخريجين لاستخلاص الدروس واستنهاض الطاقات والإشارة إلى أدب الحياة بل إلى آدابها. وهو بهذا كتاب تربية وطنية وأممية.
          كذلك فإن هذا الكتاب هو كتاب الوفاء، الوفاء لرفاق الدرب والأصدقاء الذين رحلوا وبقيت أرواحهم حاضرة.
          مقالات فيليب سالم وخُطبه كتاب الرجاء الواحد: الإنسان المتصالح مع أخيه وذاته والمتمتّع بحقوقه كلها  وعلى رأسها الحق في الصحة والحق في الحرية والحق في الابداع.

زحلة في 8 حزيران 2016



[1]  عن فيليب سالم راجع مهى سمارة: فيليب سالم الثّائر والعالم والإنساني، دار النهار-دار الساقي، بيروت 2013 وفيليب سالم بأقلامهم، إعداد أسعد الخوري، بيروت، 2014. 
[2]  قال القتيبي: ليس الفَتى بمعنى الشابّ والحَدَث إنما هو بمعنى الكامل الجَزْل من الرجال. ورَجُل جَزْل: ثَقِفٌ عاقل أَصيل الرَّأْي. الجوهري:الفَتى السخيّ الكريم. (عن لسان العرب).
[3]  العبارة لفيليب سالم التي يميّز بين "ثقافة المعرفة"  و"ثقافة التطرف الديني والأيديولوجي".
[4]  المؤتمر والتنين (18-10-2002).
[5]  تعالوا نعلنه يوم حداد [عيد الاستقلال] (24-11-2003).

[6]  افتتاحية 20/3/2014.
[7] لبنان الرسالة وماذا تبقى من الرسالة؟ (24-7-2001)

[8]  الإستراتيجية الدفاعية هي استراتيجية الدفاع عن السلام  (15-4-2010)
[9] الإرشاد الرسولي و"المسألة المشرقية"  (16-9-2012)
[10]  في دعوته إلى المواطنة اللبنانية غير الطائفية. 

Thursday 6 July 2017

MICHEL ZACCOUR, UN LIBANISTE ANTIMANDATAIRE







« L’enjeu véritable de toute lutte est la liberté opprimée, que cette oppression se nomme colonialisme, occupation, despotisme personnel, qu’elle s’exerce par les détenteurs de capitaux au dépens de la main d’œuvre  ou qu’elle soit la domination d’une majorité parlementaire qui abuse de son pouvoir. »
         
Michel Zaccour (1896-1937): Liban d’aujourd’hui (Lubnân al-yawm), préface d’Henri Zgheib, Editions de la Fondation Michel Zaccour,  2017.

          Connaît-on assez Michel Zaccour ? 2 biographies lui ont été consacrées, l’une en arabe par F. S. Akl et R. Honein, l’autre en français par Alexandre Najjar (traduite en arabe et en anglais) ; un choix de son périodique Al Maarad  (1921-1936) a été recomposé en 2 volumes dans la police et la mise en pages de l’époque (1999). L’opinion a été alertée, mais il fallait approfondir. Ce que le présent ouvrage - qui assemble une anthologie de ses articles, éditoriaux et discours, enrichie d’une iconographie de belle qualité - met en relief, ce sont les options personnelles d’un homme politique illustrées par son écriture et ses interventions orales. « Un journaliste doublé d’un député », se définissait-il lui-même à partir de 1929.
          L’importance de Michel Zaccour est multiple. Elle est d’abord dans le témoignage capital sur une période cruciale, qui pour être proche n’en est pas moins peu connue : l’Etat du Grand Liban (1920-1926) et la première décennie de la République libanaise (1926-1937). On ne veut pour preuve de cette méconnaissance que la confusion que font les notes du livre entre hauts commissaires et gouverneurs du Grand Liban (Trabaud, Vandenberg, Cayla). Elle est ensuite dans l’engagement  de Zaccour dans son époque qui ne se laisse pas réduire aux clivages habituels et les bouscule tous, irrévérencieux et droit. Elle est aussi dans le courage et la rigueur politique et morale d’un patriote porté par un combat qu’il ne cesse de servir dans des péripéties confuses. Elle est enfin (mais on pourrait ne pas s’arrêter là) dans l’art consommé d’un journaliste et d’un tribun, écrivain véritable, qui sait aller à l’essentiel, se servir de vers et de  fables pour délivrer son message et cibler son but.
          Dès la promulgation de la charte du mandat syro-libanais (24/7/1922), Zaccour écrit : « Nous appartenons au parti de la République libanaise et à ceux qui réclament un président de la république libanais et un gouvernement national dont l’allure s’accommode avec le véritable mandat libre proclamé au nom de la France par M. Poincaré ». La position est claire, même si elle est peu partagée par les Libanais d’alors, isolationnistes ou irrédentistes : le Grand Liban est une entité indépendante de ses voisins, étendant une Moutassarrifiyya autonome ; il doit être gouverné par ses citoyens, aptes à lui choisir son régime et à l’administrer ; le mandat de la France est de conseiller les Libanais et non de régir leur pays. Zaccour est francophone et francophile, mais non aux dépens de l’indépendance nationale ;  il pense même que l’amitié des Libanais pour la France doit être un argument supplémentaire en faveur de leur autonomie. Il ne cesse, par ailleurs, d’insister sur « l’intérêt du voisinage, des traditions, de la langue, de la fréquentation » avec les Syriens dans le combat « loyal et fidèle » des  deux pays pour l’indépendance.
          « L’enfant terrible », comme l’appellent les autorités françaises aux commandes, ne cesse d’instruire le procès du mandat. Il lui reproche sa politique « expérimentale » et sans consistance, si couteuse pour les habitants « en argent, en sang et en âmes ». Il y voit un régime plus pernicieux que la colonie et le protectorat car il donne l’illusion de l’indépendance et ne fait que déléguer le pouvoir de Paris à des fonctionnaires envoyés sur le terrain. La mise en accusation ne ressort pas seulement de la théorie ;  elle s’étend à chaque acte, nomination et décision contraires à la volonté nationale. On peut citer en exemple sa campagne menée contre la fusion (’Idghâm ) ou création de tribunaux mixtes, composés de magistrats français et libanais : « Que signifie l’ ’Idghâm ? il est plus proche du remplacement des tribunaux nationaux par des tribunaux étrangers(…) »
          Que reproche Zaccour au président Emile Eddé qui veut être « un dictateur réformateur » et court-circuiter les débats parlementaires qui font obstacle à sa politique? « La dictature ne peut être utile à un pays sous mandat parce que le mandat est une forme de dictature et que toute dictature qui se met à son ombre est faible et squelettique… » (21/6/1936)
          La notion de constitution peut servir de fil d’Ariane pour comprendre la pensée politique de Michel Zaccour et il n’est pas fortuit que son combat se soit associé au bloc destourien qui tire son nom de la loi fondamentale (destour) qu’il cherche à réinstaurer. Au nom de ses principes indépendantistes, Zaccour s’était insurgé contre la manière dont la constitution de 1926 a été élaborée  et contre les pouvoirs qu’elle accordait à la puissance mandataire; il avait soutenu qu’elle devrait être discutée et votée par une constituante libanaise élue dans ce but ou qu’au moins le conseil représentatif en place tienne compte des requêtes des diverses parties libanaises, ce qui n’a pas été le cas (4/11/1926 et 20/2/1927). Mais une fois la constitution promulguée, notre homme sera toujours son ardent défenseur tout en affirmant qu’elle peut et doit être amendée. Lors de sa suspension en 1932 par le haut commissaire français, il écrit : « La constitution est l’emblème de la dignité nationale et le fondement de la liberté et de l’indépendance… les Libanais dignes et honorables respectent leur constitution, la défendent et n’acceptent pas sa substitution. » Avec les députés Farid Khazen et Camille Chamoun, il adresse à Damien de Martel un mémoire demandant « le retour à la vie constitutionnelle normale » (28/10/1934) ; puis avec Hamid Franjié, il revendique « toutes ses attributions », un traité avec la France et l’entrée du Liban à la S.D.N (2/3/1936).

          Connaître Michel Zaccour incite à le connaître plus profondément, à retrouver une intégrité, une dignité et une hauteur de vues qui ne sont plus de mise dans le pays du cèdre, à respirer un air de liberté et d’indépendance sans lesquelles point de salut…tout en se posant bien des questions sur ce pays, son peuple et sa destinée.