Tuesday 28 June 2016

LE PRIX MICHEL ZACCOUR DÉCERNÉ EN 2016 A AMAL MAKAREM






Mesdames, Messieurs
Chers amis
        Le prix Michel Zaccour, dans l’esprit du journaliste  et homme politique dont il porte le nom, et à l’unanimité du jury, est décerné en l’année 2016 à Madame Amal Makarem pour son journal Paradis infernal  paru en 2015 à L’Orient des livres.  
Michel Zaccour fut de très courte vie (1896-1937). Mort subitement à 41 ans alors qu’il venait d’être nommé ministre de l’intérieur du premier gouvernement d’union nationale sous le traité franco-libanais encore à ratifier et qui ne le sera jamais par le parlement français, Michel Zaccour  eut une existence chargée et salutaire. Il fonda le périodique Al Maarad (1921-1936) qui fut un grand journal d’information et de combat politique et social, sans parler de la place qu’il donne aux Arts et surtout aux Lettres. Il ne cessa de lutter pour un Liban indépendant et dans ses frontières actuelles, ce qui était une gageure dans les années 1920 et 1930. Elu député du Mont Liban à 2 reprises en 1929 et en 1934, il sut « malgré sa francophilie » et après avoir affronté les gouverneurs français du Grand Liban, exiger des hauts commissaires le rétablissement de la Constitution suspendue en 1932, ce qui contribua à la naissance de l’esprit destourien et mena à l’indépendance de 1943.
Madame Amal Makarem est elle aussi de bien des combats justes, notamment pour les droits de l’homme et du citoyen. Dans les années 1994-1999, elle a créé et dirigé Houqouq AnNass, un supplément du quotidien Nahar  pour la défense du droit et des justiciables. Puis elle chercha, avec d’autres intellectuels, à ouvrir le dossier colossal de la mémoire de la guerre pour favoriser une réconciliation profonde entre les Libanais. Mémoire pour l’avenir, dit l’adage.
Le prix Michel Zaccour lui est décerné pour ses journaux de guerre intitulés Paradis infernal, un oxymore très simple, trop abrupt pour un livre tout en fluences et subtilités.  Journaux perdus, retrouvés, fragmentaires, substantiels  portant essentiellement sur les années 1975-1976, mais aussi sur 1989. Ici même le début de la guerre du Liban a, suite au style d’Amal, la magie des aubes et des seuils.
La force de l’ouvrage vient de la conjugaison de faits historiques relatés dans leur vérité et un vécu sentimental et politique déployé dans sa complexité et ses intimes convictions. Avec candeur, intégrité et pureté, Amal Makarem narre son combat et les multiples résistances qu’il affronte ; elles ne se trouvent pas seulement dans le camp ennemi mais dans sa propre famille, sa propre communauté, des loyautés ancestrales. Contre une violence aveugle, des causes à la fois justes et injustes, fondées et barbares, l’auteure, sans concession aucune, réussit à rester d’une légèreté exquise, ce qui la rend glissante, fantomatique, insaisissable et néanmoins d’une intense présence.
             C’est la tension, ou plutôt l’absence de tension, entre ces multiples jonctions qui fait d’Amal, en désaccord avec tout et tous, du père, au frère, au bel ami, à la communauté druse dont elle est issue, au camp politique (la gauche) auquel elle adhère, leur complice. « Etrangeté et familiarité » écrit-elle quelque part. Le tout saupoudré d’humour.

Le témoignage sur ces commencements de la guerre toujours repris ne tient pas seulement à sa vérité et sincérité. Il tient aussi à une expression toute de spontanéité et de fraîcheur! Quasi una fantasia,  dirait le musicien. Libre fantaisie et sombre réalité, dirons-nous !

هيغل : تصميم جامعي

                                                  هيغل                                  
                                             (1831- 1771)




                                                 




أ‌-      مدخل عام إلى فلسفة هيغل: فيلسوف الحياة والتاريخ

1." تفكّر الحيـاة، تلك هي المهمة!"

            في مطلع القرن التاسع عشر، وفي مرحلة باشرت فيها علوم الحياة خطواتها الاولى وبدأت تستخلص سنّـة الموت من قوانين الحياة، وفي حقبة تاريخية انـتقالية شهدت تقلبات الثورة الفرنسية  وولادة الدولة الحديثة (النابوليونية)، أراد هيغل (1770-1831) ان يكون فيلسوف الحياة والتاريخ، وعلينا ان نعـير كل عبارة من عبارات هذا التعريف انتـباهاً خاصاً لندرك أبعاده المختلفة.
        كتب هيغل في ريعان الشباب يقول : "تفكّر الحياة، تلك هي المهمة!". يمكن أن نفهم عبارة الحياة، هنا، بمعنيـين مختلفين : تشير، أولاً ، الى السمات البيولوجية التي تميز ما هو حي (الانسان والحيوان والنبات) عمّا هو جامد وتدخل الفرد في النوع وتنظّم الخلية وسائر الوظائف في الجسم ؛ وتشير، ثانياً، الى العناصر الفاعلة والانفعالية في الميدان الانساني. وفي "علم ظهور الروح" (1807) ، أول كتب هيغل الرئيسية والمدخل الى نظامه واول اقسام هذا النظام ، نرى المؤلف يولي عناية كبيرة لصراع "السيد والعبد" ويتحدث باستفاضة عن "الوعي الشقي" و"اللذة"... وغيرها من المفاهيم "الحياتية" التي لم يكن يعيرها الفلاسفة السابقون اهتماماً كبيراً.
أما التاريخ، فهو صيرورة المجتمعات الانسانية، ويدخله هيغل في رسم عام يصور تـتابع الدول (الدولة الشرقية، الدولة اليونانية، الدولة الرومانية، الدولة الجرمانية أو الدولة الحديثة)   على انه "التطور الضروري للحظات العقل، ونتيجة ذلك، للوعي بالذات وحرية الفكر".
هذا، ولا تقلّ عبارة فيلسوف،(10)  في التحديد الآنف الذكر، أهمية عن عبارتي الحياة والتاريخ. فتفكّر الحياة والتاريخ هو بمثابة اخضاعهما للكلية العقلانية ويشكل توسيعاً لميدان الفلسفة واغناءاً له. يريد هيغل ان يعقل الواقع، كل الواقع بما في ذلك العوامل المأسوية التي يـبرزها ويشدّد عليها. المأساة موجودة في الحياة وفي التاريخ لكنها اداة العقل وسبيله. "ما هو عقلاني متحقق، وما هو متحقق عقلاني".  ولم يستأهل احد المفكرين لقب الفيلسوف بقدر هيغل الذي لم يـبقِ عنصراً من عناصر الحياة أو الواقع الا وأدخله في فلسفته. يضاف إلى ذلك أن هيغل وسع مفهوم العقل بادخاله التناقض إليه، فمبدأ العقل الأول هو ، منذ أرسطو، مبدأ الهوية أي مبدأ عدم التناقض أي "الشيء هو الشيء" أو "الشيء ليس غير الشيء". أما مع هيغل، فالنفي في صميم الجدلية العقلية التي تسعى إلى التماهي مع جدلية الوجود. فالمعرفة تقوم بالتأكيد، ثم النفي، ثم أخيرا وحدة التأكيد والنفي في الAUFHEBEN,   AUFHEBUNG  الذي يبقي البعدين (التأكيد والنفي) ويتخطاهما.
        وفي سعيها لادراك الحياة، لا تخاف فلسفة هيغل الموت ولاتتغاضى عنه. بل تسعى، على العكس من ذلك، الى فهمه وتفسيره وتبريره. "لكن حياة الروح ليست تلك الحياة التي ترتد فزعـاً أمام الموت وتصون نفسها خالصة من الدمار، بل تلك التي تتحمل الموت وتقيم فيه". وتكتشف حياة الفكر أن للموت وظيفة وانه حاجة وضرورة.
        يـبرز الموت باشكال مختلفة في النظام الهيغلي. فهو يتماثل، اولاً، مع خاصية الانسان الاولى، النفي. وموت الفرد هو ، ثانياً، الشرط الضروري لاستمرار النوع. وتشكّل، مواجهة الموت، أخيراً، المرحلة النفسانية الضرورية لانـتقال الانسان من مجرد كائن حي الى انسان بكل ما للعبارة من معنى، أي الى وعي ذاتي (جدلية السيد والخادم).

" النفي أي الحريـة أي الجريمـة "
   
            يؤكد هيغل ان الرفض هو ما يـميّـز الانسان عن سائر الكائنـات وما يشكل سـمتـه الرئيسية. لا ريب أن الحيوان يرفض الأشياء التي تحيط به : فهو يـبيد النبتـة التي يلتهمها ويظهر، بذلك، ان رغبته رغبة نافية. لكن الانسان يذهب ابعد من ذلك بكثير: يستحيل تصنيف الانسان انطلاقـاً من معطى خارجي او موضوعي (عنصره، لونـه، هويته القومية، طبقته الاجتماعية...) لان بامكانه رفض المعطيات كافة. يرفض الانسان واقعه المادي، ويرفض خصوصيته (في سعيه الى الكلية) ويرفض محدوديته (في سعيه الى تخطي الاوضاع القائمة). لا يقبل الانسان الأشياء الخارجية كما هي، فيحوّلها بعمله، ولا يقبل بذاته كما هي ، فيتعداها.  هنا تكمن حريته. الانسان حر لانه قادر على قول "لا" وعلى مخالفة سنن الاشياء . وحريته هذه محرك التاريخ : الانسان كائن تاريخي قادر على التقدم اللامتناهي لان باستطاعته ان يرفض ايـاً من المراحل التي يـبلغها. يرفض الانسان كائـنه الطبيعي ويتخلص منه ويوجد بذلك كائـناً تاريخياً يحققه . لكنه لا يلبث ان يكتشف انه لا يحقق ذاته كلياً في هذا الكائن التاريخي، فيرفضه ويوجد كائـناً آخراً وهكذا دواليك... التاريخ اذا رفض فانجاز تاريخي فرفض لهذا الانجاز فانجاز اخر ... الى ما لا نهاية. وليس التاريخ نزهة سهلة. يتكلم هيغل عن "جدّ النفي وألمـه وصبره وعمله". فالتجربة الإنسانية في كافة جوانبها لا تتقدم إلاعبر المرور بالألم والنفي ولا سبيل للوصول إلى "أحد الفصح" إلا بالعبور ب" الجمعة العظيمة".
        الانسان انسان لانه يقول لا. ويماثل هيغل بين هذا النفي، الذي هو حقيقة الانسان وحريته، وبين الموت: الانسان قادر على القضاء على الاشياء وعلى ذاته وهو انسان لانه يملك هذه القدرة وفي احد نصوص شبابه، يوجز هيجل فكرته على الوجه الآتي: "النفي أي الحرية أي الجريمة"... وفي مكان آخر يكتب : "هذا المطلق النافي، أي الحرية الخالصة، هو، في ظهوره أو تجليه Ersheinung، الموت، وتبرهن الذات حريتها وتخطيها المطلق لكل اشكال الاكراه بملكة الموت". ويقول احد المعلقين  على مؤلفات هيجل : "إذا كانت الحرية نفياً، من جهة، واذا كان النفي موتـاً وعدمـاً من جهة أخرى، فلا وجود للحرية بلا موت وبامكان الكائن الفاني وحده ان يكون حراً. لا بل يمكن ان نقول ان الموت هو تجلي الحرية الاخير والاصيل".

عـدم تمـاثل الحيوان مع الكلية
        على الصعيد البيولوجي الصرف، يشكل الموت نقطة العبور الالزامية بين الخاص والعام، بين الفرد والنوع. يموت الفرد لكن النوع الذي ينـتمي اليه هذا الفرد يستمر وموت الفرد هو شرط استمرار النوع أو، بكلام آخر، الضريـبة التي يدفعها الفرد لاستمرار حياة النوع. فاستمرار الفرد في الحياة يحول دون تكاثر النوع وتحسنه واستمراره. "ان عدم تماثل الحيوان مع الكلية هو مرضه الاساسي وجرثومة موته"(18).  للموت اذاً وظيفة بيولوجية وهو ضرورة حياتية.
ب‌-                                ويذهب هيجل أبعد من ذلك، فيلتقط الخيط الرفيع الذي يربط الجنس بالموت. ان الكائـنات الحية العديمة الجنس والتي تـتكاثر بواسطة الانقسام الذاتي لا تموت. الكائن الوحيد الذي يموت هو الكائن الجنسي الذي يعطي الحياة لكائن مختلف عنه. "ينفي" الوالد والوالدة ذاتهما و"يتخطيانها " في الوليد الذين ينجبانه. يتيح الولد استمرار الكلي عبر زوال الفردي . " لا يحافظ النوع على ذاته الا بفضل زوال الافراد الذين يتمّون، في عملية المزاوجة، تعيينهم (Bestimmung, determination) ، وبقدر ما هم لا يملكون تعيينا اعلى، فهم يسيرون، عبر ذلك، الى الموت" .  ولا يصح هذا الكلام على الموت الطبيعي فحسب، بل انه يصح ايضاً على "الموت العنيف"، أي على الجريمة. عندما يقتل الحيوان حيواناً آخر من نوعه او من نوع مختلف يتصرف الفرد كنوع ويتطلع الى استمرار حياة النوع.
يوسع هيجل نطاق جدليته، فيدخل فيها بعض سمات الانسان الاجتماعية :"ان نمو الابناء هو موت الاهل"؛ يقتل المتوحشون في اميركا الشمالية اهلهم وهذا ايضاً ما نقوم  به".  فالأهل يفقدون مبرر وجودهم عندما يربون اطفالهم ويمدونهم بمعارفهم وخبراتهم : "عندما يربي الأهل طفلهم، يضعون فيه وعيهم المكتسب ويولّدون موتهم... ان وعي الاهل هو المادة التي يكبر وعي الطفل وينمو على حسابها... ويفقد الاهل ما يعطوه لابنهم؛ هم يموتون في طفلهم لان ما يعطوه اياه هو وعيهم الذاتي... يصير وعي عبر وعي آخر ويشاهد الأهل في نمو طفلهم الغاء ذواتهم الجدلي"(22). هدف موت الحيوان استمرار النوع؛ اما هدف موت الانسان فهو اكثر غنى واكثر تعقيداً : يتيح للبشر تخطي ذواتهم وللاجيال صناعة التاريخ.

2. نقد هيغل للفلسفة الكنطية

        يرى هيغل في كنط فيلسوفا عظيما اجتازت قي ركابه الفلسفة شوطا كبيرا، لكنه لم يقدها الى نهاية المطاف: مصالحة الذات مع نفسها وادراك المطلق. قام كنط بالثورة الكوبرنيكية، وادرك اهمية الذات، "الارض التي بها مولد الحقيقة"، لكن فلسفته ظلت شكلا من اشكال الوعي الشقي، اي الوعي المنقسم على ذاته والمتصارع معها. فلسفة كنط تفصل المسائل وتباعد بينها بينما المطلوب، في رأي هيغل، اظهار وحدتها العميقة.
        يؤكد هيغل ان فلسفة كنط تقوم على رأسها وأن المطلوب ايقافها على قدميها. ويمكن ايجاز النقد الهيغلي بنقاط ثلاث هي الأوجه الثلاثة لنقد واحد:

1)  الفلسفة الكنطية شكل من اشكال الوعي الشقي، اي الوعي المنقسم على ذاته المنفصل عن المطلق. فلسفة كنط تميّز وتباعد (العقل النظري والعقل العملي، المادة والصورة، الحساسية والذهن، الذهن والعقل، المعرفة والايمان...) بينما المطلوب اظهار وحدة الفكر الداخلية ووحدته مع الموضوع.
2)  تميّز فلسفة كنط بين الظواهر والاشياء في ذاتها. اما "المعرفة المطلقة" الهيغلية التي تدرك حقيقة الدين والتاريخ وتاريخها الذاتي، فهي تنطلق من وحدة الذات والموضوع وتؤكد ان" كل ما هو عقلاني متحقق وكل ما هو متحقق عقلاني" (مبادىء فلسفة الحق، المقدمة).
3)  الفلسفة الكنطية التي درست الذهن على ضؤ العقل واظهرت وحدة المعرفة عبر وحدة الحساسية والذهن("التصور بلا عيان فارغ والعيان بلا تصور اعمى") عادت فدرست العقل على ضوء الذهن، فبان العقل صورة محضة وحدتها الاسمى غيبية الذهن الخالص واستقلاليته عن التجربة وعجزه عن ادراك المطلق.

ب . حياة هيغل ومؤلفاته

      بالامكان تقسيم حياة هيغل إلى مراحل سبع:

1)                           1777-1787: شتوتغرت، الطفولة
          1787-1793: توبنغن، الدراسات الجامعية الاولى.

2) 1793-1796 برن و 1796-1800: فرانكفورت:
       -تعليم ابناء العائلات الثرية
       -تكملة الدروس
       -الكتابات الاولى وتسمى "كتابات الشباب اللاهوتية" (نشرت بعد 1907): الدين الشعبي والمسيحية، حياة يسوع، وضعية الدين المسيحي، روح المسيحية وقدرُها، شذرة من النظام(1800).

3)1800-1807: إينا: تأييد الثورة الفرنسية والاعجاب بنابوليون وأول فترة تعليم جامعي.

* كتب هيغل الى زلمـان (بتاريخ 23/1/1807) رسالة يقول فيها : "لم تتحرر الامة الفرنسية، بفضل حمام ثورتها، من مؤسسات تخطاها الفكر الانساني بخروجه من الطفولة وحسب... ولكن، اضافة الى ذلك، تخلص الفرد من خوف الموت ومن نمـط الحياة التقليدي الفاقد صلابتـه كلها نتيجة تغيّـر الظروف؛ هذا ما يعطيها [أي الأمّة الفرنسية ] القوة الكبيرة التي تظهرها تجاه الآخريـن."


      * ينشر مقالاته الاولى في مجلة الفلسفة النقدية التي اسسها مع صديقه شلنغ:
    - الأيمان والمعرفة.
    - الفرق بين نظامي فيشته وشلنغ.
    - علاقة الشكوكية بالفلسفة.

* يبلوّر هيغل في هذه المرحلة الخطوط الكبرى لنظامه ويحرر بين تشرين الاول 1805 وكانون الثاني 1807 اولى مؤلفاته الكبرى علم تجربة الوعي الذي سيحمل عنوان فينومينولوجيا الروح (أو علم ظهور الروح).

4) 1807-1808: يُطرد هيغل من جامعة إينا نتيجة تفكك المؤسسة الناجم عن الحروب النابوليونية. يمارس الصحافة في غازيت بامبرغ.

5)  1808-1816: رئيس الجمنازيوم الملكي البافاري في نورنبرغ واستاذ فيه. يعلم الفلسفة في الصفوف الثلاث النهائية في هذا المعهد الثانوي ويمارس فيه مهمات ادارية.
·       صدورعلم المنطق في جزئين وثلاثة كتب (1812-1816):  الجزء الاول : المنطق الموضوعي وهو مؤلف من كتابين. الكتاب الاول : نظرية الكينونة، الكتاب الثاني : نظرية الماهية. الجزء الثاني : المنطق الذاتي او نظرية التصوّر. وما تشير اليه عبارة "علم المنطق" عند هيغل هو الفلسفة العامة او الميتافيزيقا.


·       1816-1818: يعود هيغل إلى التعليم الجامعي وينشر خلاصة نظامه الفلسفي: موسوعة العلوم الفلسفية(1817) أو"الموسوعة المختصرة للعلوم الفلسفية " . نشره هيغل  للمرة الأولى عام 1817 واعاد النظر فيه عامي 1827 و1830 ، وهكذا عرف الكتاب ثلاث طبعات متباينة. يضم الكتاب ثلاثة اجزاء : 1) علم المنطق .  2) فلسفة الطبيعة (والمقطعان الاخيران من القسم الثالث فيه يتناولان الطبيعة النباتية (343-349) والبنية الحيوانية (350-376) .  3) فلسفة الروح وتضم ثلاثة اقسام: أ) الروح الذاتي واصبحت "فينومينولوجيا الروح" فيه (413-439) المقطع الثاني بين "الانـتروبولوجيا " و "علم النفس" ؛  ب) "الروح الموضوعي"؛  ج) "الروح المطلق" : الفن والدين السماوي والفلسفة.

6)  1818-1831: تتويج مسيرته الجامعية: التعليم في برلين.
آخر مؤلفاته المنهجية: مبادىء فلسفة الحق(1821) وهو فصل مأخوذ وموّسع من الموسوعة. الترجمة الحرفية للعنوان هي الخطوط الاساسية لفلسفة الحق . يؤكد هيغل، في مقدمة الكتاب، أن المصنف هذا يوسع القسم الثاني من "فلسفة الروح" في الكتاب السابق، أي "الروح الموضوعي". هذا وعرض فيه هيغل نظريتـه في الدولة الحديثة لجهة تجسيدها "واقع الفكرة الاخلاقية "، وجمعها القانون والحريـة بصورة جوهريـة.

هذا ونشرت تباعا بعد وفاة هيغل مقررات تدريسه الجامعية عن فلسفة الدين وفلسفة التاريخ وتاريخ الفلسفة والجمالية.



ج . فنومنولوجيا الروح(1807)      

        ثمة ترجمتان عربيتان للكتاب:
-        الأولى جزئية لمصطفى صفوان تحت عنوان "علم ظهور العقل " (دار الطليعة)
-        الثانية تامة لناجي العونلي تحت عنوان " فنومنولوجيا الروح" (المنظمة العربية للترجمة، 2006).



1.   أهداف الكتاب
        يسعى هيغل في هذا الكتاب إلى بلوغ ثلاثة أهداف:
1)مصالحة النظرية مع الواقع وابراز تطابقهما.
2) فهم الحياة المعاصرة في تناقضاتها وعبر هذه التناقضات من حيث هي حصيلة ماض مأسوي دراماتيكي تميز بالخلاف والصراع والتناقض وصولا إلى الوئام والتصالح.
        هذا وترافق مع انجاز الكتاب انتصار نابوليون في معركة إينا، ما جعل هيغل المعجب بهذا القائد البطل الذي أنهى الثورة الإفرنسية وباشر بناء الدولة الحديثة يكتب في إحدى رسائله:"لقد رأيت الامبراطور- ذات العالم المتجسدة- يخرج من المدينة للاستكشاف، وإنه لإحساس رائع حقا أن يرى المرء هذا الشخص،المركّز هنا في نقطة، راكبا فرسا، ممتدا على العالم، مسيطرا عليه... لكن التقدم الذي أحرِز ماكان أن يكون، من الخميس إلى السبت، لولا هذا الانسان الخارق الذي يستحيل على المرء ألاّ أن يعجب به"(رسالة إلى نيتهامر، 13/10/1807).
3)الإقرار بنتائج نقد كنط الفلسفي وتخطيه  لتعيين موقع بنى فكرية افترقت في العصر الحديث: الدين، التاريخ، السياسة، الفلسفة، العلوم التجريبية، الفنون.

2.   مستويات الكتاب
    يقدم هيغل فنومينولوجيا الروح المكتوب في العامين 1806-1807 على أنه المدخل إلى نظامه الفلسفي والقسم الأول من هذا النظام. وينجم هذا الطابع المزدوج للكتاب عن رؤية عميقة الجذور في فكر هيغل الفلسفي، ألا وهي تماثل المعرفة المطلقة مع المعرفة الحقة أي معرفة الحقيقة وادراك الواقع. لكن الحق ليس معطى ثابتا بل هو نتيجة، أي ما آلت إليه  الصيرورة."إن الحق هو الكل. ولكن الكل ليس إلا الماهية في تحققها واكتمالها عن طريق نموها. فالمطلق يجب القول عنه:إنه في جوهره نتيجة، أي لا يصير ما هو إياه حقيقة إلا في الختام"(ترجمة مصطفى صفوان، ص 22). والتعبير عن الحق لا يقوم إلا لأن الحق ينتج لحظات توسيعه.وليس للوجود الحق من معنى إلا في اظهار عملية تحوله إلى ما آل إليه. ما ينجم عن ذلك هو أن المدخل إلى الفلسفة هو، في الوقت عينه، الجزء الأول منها: مهمته تناول  "الجاهل" حيث هو، في "مباشرة" يقينه، والسير به على الطريق التي تقوده إلى المعرفة، لبناء هذه المعرفة له ومعه.
    "يماثل هيغل بين ثلاثة أمور في فكره: بداية عمل النفي، ثم ولادة الذات، أي شيء قادر على عكس ذاته، وأخيرا التوسط. فبواسطة التناقض تنعكس في ذاتها التجربةٌ التي كانت بدايةً مباشرة وأصبحت غير ما كانت عليه؛ وعن طريق التوسط أمكن تخطيها. "


    لم تفهم الميتافيزيقا التقليدية "الجهل" واليقين على حقيقتهما، بل ادركتهما ادراكا مبسطا. يبيّن فينومينولوجيا الروح 3 مستويات للجهل-اليقين داخل كل فرد:
1)              ما زال عامة الناس يعتقد، كما فعل في طفولته، بحقيقة المعرفة الحسية: فنسق المعرفة هذا هو معيار المعرفةلديه. من هنا ضرورة الكلام على هذا الاعتقاد وتحليله وتحديد ما يقود اليه بعد شرحه وإظهار خلفياته.
2)              يلتزم عامة الناس بحضارة تفرض عليهم أطرَهاوتتيح لهم خيارات معينة ضمنها. المطلوب إذا تجميع منهجي لمختلف المواقف "الوجودية"التي اختارها الافراد في اطر فرضت عليهم. وعلى المدخل إلى النظام الذي تشكله الفنومينولوجياأن يضع جدولا مفصلا لهذه المواقف التاريخيةالتي يقفها الافراد في قلب مماراساتهم الاجتماعية.
3)              وجدت المواقف السابقة في المؤلفات الادبية والفنية والفلسفيةأفضل تعبير لها. ثمة إذا مستوى ثالث تأخذه الفينومينولوجيا بعين الاعتبار الا وهو تاريخ الحضارة الذي يتجسد على خير وجه في الكتابات الشعرية والمسرحيات والاكتشافات العلمية والحبكات التاريخية والانظمة الفلسفية. لهذا السبب يجب ان يكون المدخل إلى المعرفة والقسم الأول منها تحليلا منهجيا للانتاج "الثقافي" وعلى وجه الخصوص الفلسفي الذي يلخص الانتاج الثقافي ويكثّفه.



3.   تصميم الكتاب

= تصدير: عن المعرفة العلمية
[حرر هذا التصدير بعد الكتاب ويشكل مقدمة لنظام هيغل الفلسفي بكامله]


            الجزء الاول
          علم خبرة الوعي

-المقدمة
             (أ) الوعي
1- اليقين الحسي، الهذا والظن
2- الادراك الحسي، الشيء والوهم
3- القوة والفهم، الظاهرة والعالم فوق الحسي

            (ب) الوعي بالذات
4- حقيقة الوعي بالذات
   أ. استقلال الوعي بالذات وتبعيته؛ السيادة والخدمة.
   ب. حرية الوعي بالذات؛ الرواقية، الريبية، الوعي الشقي

           (ج، أأ) العقل
5- يقين العقل وحقيقته
   أ. العقل المراقب
   ب. تحقق الوعي بالذات العقلي بمعية ذاته
   ج. الفرديةالمدركة أنها حقا في ذاتها ولذاتها

            

          (ب ب) الروح
[ الروح هو المراحل المختلفة للتجربة الإنسانية الموزعة في الزمان والمكان بما هي تشكل وحدةً حاضرة في كل قسم من أقسامها. الروح هو حضور الكلية في كل قسم من الاقسام. لكن تقدّم الروح لا يكون كتفتح الزهرة، بل بالانشقاقات والتناقضات. لا يمكن للذات أن تصير ذاتها إلا عبر الخروج من ذاتها وهجرتها. والقسم المعنون "الروح" ، وقد أعطى اسمه لعنوان الكتاب، هو تاريخ الانقسامات والتناقضات داخل صيرورة المجتمعات بما هي صيرورة الفكر والعمل.]
أ‌.       الروح الحق، الإتيقية
1.   العالم الإتيقي، القانون الإنساني والقانون الإلهي، الرجل والمرأة
2.   المراس الإتيقي، المعرفة الإنسانية والإلهية، الخطيئة والقدر
3.   حالة الحق
ب‌.  الروح المغترب عن ذاته؛ الثقافة
1.   عالم الروح المغترب عن ذاته
أ‌.       الثقافة وملكوت المتحقق
ب‌.  الإيمان والتعقل المحض
2.   الأنوار
أ‌.       صراع الأنوار ضد الخرافات
ب‌.  حقيقة الأنوار
3.   الحرية المطلقة والإرهاب
          ج. الروح المتيقن من ذاته. الأخلاقية
                1. رؤية العالم الأخلاقية
                2. التستر
    3. اليقين الأخلاقي، الذات الجميلة، الشر وغفرانه

[الحضارة التاريخية من المدينة اليونانية إلى الثورة الفرنسية والتيارات الفكرية اللاحقة]

          (ج ج) الدين
أ. الدين الطبيعي
ب. دين الفن
ج. الدين الظاهر(او السماوي)


         (دد) المعرفة المطلقة
تصالح الداخل والخارج، الذات والموضوع، الوعي بالذات والوعي، الماهية والظاهرة، المنطق والتاريخ.







4.   جدلية السيّد والخادم (الوعي بالذات،4 أ)


تشكل مواجهة الموت تجربة اساسية في تحول الانسان الى انسان، في انـتقاله من كائن حي الى كائن يدرك ذاته.

الانسان هو بدءاً حياة. وتـتجلى هذه الحياة في الرغبة. تستهدف الرغبة الاشياء وتنفيها وتهدمها. القضاء على التفاحة ضرورة، مثلاً، لاشباع النهم. لكن، طالما الانسان رغبة فحسب، فهو لا يتمايز عن سائر الكائنات الحية وفي طليعتها الحيوان. الانسان يرفض مجرد انـتمائه الى الحياة ويسعى الى اثبات تعاليه عن الحياة : فهو يريد ان يكون وعياً ذاتياً . ولا يصيـر الانسان وعياً ذاتياً الا عندما يقرّبه وعي ذاتي آخر. فما هو السبيل لذلك؟ السبيل هو المجازفة بالحياة او المخاطرة بها. عندما اجازف بحياتي، اثبت للاخر، ولاحقاً لذاتي، انـني لا أعير الحياة اهتماماً وان الحياة ليست جوهري، وانـني نتيجة ذلك، متعالٍ عنها.
ويصبح الانسان وعياً ذاتيـاً لأن وعياً ذاتياً آخر يقرّ به. فاقرار الاخرين بـي هو الشرط الضروري لصيرورتي انسانا، لتحولي من حياة الى وعي بالذات، لانـتقالي من الصعيد الحيواني الى الصعيد الانساني. طالما لم يـقر بي وعي آخر بالذات، لست أنا سوى رغبة تـنفي الأشياء. "فبغير المجازفة بالحياة لا سبيل الى الحفاظ على الحرية ولا سبيل الى البرهان على ان ماهية الوعي بالذات لا تنحصر في الكينونة ، ولا في الشكل المباشر الذي تظهر فيه بادىء ذي بدء، ولا في الانغماس في سعة الحياة ؛ وانما يثبت المرء بالاحرى، بهذه المجازفة، ان الوعي بالذات لا يحوي حاضراً الا نزل عنده منزلة اللحظة الزائلة، وانه وجود للذات خالص، وليس الا ذلك ". وما يريد هيجل اظهاره هو ان الوعي بالذات يخرج، عبر تجربة المجازفة، على الكينونة الجامدة غير المنفصلة عن ذاتها والحاضرة ابداً اليها، ليصير وعياً خالصاً بالذات، حركة داخلية لا تشوبها أي شيئية ، كما يخرج ايضاً على الانغماس في الحياة والاستسلام لها، أي الحيوانية الخالصة.
هذا، وينجم عن المجازفة بالحياة احتمالات ثلاثـة :
-        يجازف فردان بحياتهما ويسعى كل منهما الى اقرار الاخر به وينـتهيان الى ابادة متبادلة تحول دون اقرار أي منهما بالآخر. وفي فقدانهما الحياة، يزول وعيهماالذاتي لان الحياة شرط لا بد منه لقيام الوعي الذاتي.
-   يجازف فردان بحياتهما وينـتصر احدهما ويقتل الاخر، لكن المنـتصر يجدنفسه في نهاية العملية كما كان في بدايتها : لم يكتسب شيئاً ولم يحقق شيئاً. فهو مرغم إذا
     على تكرار التجربـة من جديد .
-   يجازف احدهما بحياته ، لكن الآخر يخاف عليها. وهكذا يستمر كلاهما في الحياة.
     يُـقَـرّ بالاول ويصبح سيّداً ويخضع الثاني لمشيئة السيد ويصبح خادما.   . قايض الخادم
     حريته بحياته وابقى السيد عليه شرط قيامه بخدمته. " فبهذه الخبرة يقوم من ناحية
     وعي خالص بالذات ومن الناحية الاخرى وعي ليس خالصاً لذاته، بل حاضراً لوعي  آخر: أي وعي عنصره الكينونـة ، او مستقر على صورة الشيئيـة. هاتان اللحظتان
لازمتان ؛ لكنهما، لما بينهما من التفاوت والتضاد، ما دام انعكاسهما في الوحدة لم
     ينـتج بعد، تتمثـلان كشكلين متقابلين من اشكال الوعي : احدهما الوعي المستقل
     الذي يؤلف قيامه لذاته ماهيته، بينما الآخر الوعي التابع الذي ماهيته العيش او
     الوجود لغيره؛ احدهما السيد والآخر الخادم".

يظهر انـتصار السيد للوهلة الاولى كاملاً : اصبح السيد وعيـاً بالذات واظهر انه يتخطى الحياة وأنه لا يخشى الموت. أُقـرّ بـه دون ان يقـرّ هو باحد. وهو يستمتع نافياً الأشياء في استمتاعه. اما الخادم فقد فَقـَد حريته وخضع : هو يُـقرّ دون أن يُقرّ به . وهو يلبـي كل رغبات السيد ليُـبقي هذا الاخير على حياته.
           لكن الجدلية تقلب الأمور رأساً على عقب وتبيّـن خداع المظاهر : فلا السيد سيد ولا الخادم خادم،  بل إن الخادم هو سيد السيد وحقيقته.
           قلنا آنفاً ان الوعي بالذات لا يصبح وعياً بالذات الا عندما يقر وعي آخر بالذات به. والخادم  يقر بالسيد. لكن السيد لا يقر بالخادم. فالسيد لا يرى في الخادم وعياً بالذات، بل يرى فيه مجرد كائن حي. وهكذا فالسيد غير مقـرٍّ به من وعي آخر بالذات.
يـبدو السيد متصلاً اتصالاً مباشراً بهاتين اللحظتين : الشيء كشيء، موضوع الرغبة والاستهلاك والافناء ، والخادم الذي تشكل الشيئية ماهيته لأن أحداً لم يقـرّ بـه كوعي بالذات. لكنه، في الحقيقة، غير متصل بهما اتصالاً مباشراً لأنه لا يعرف الشيء الا عبر الخادم (السيد يستمتع والخادم يعمل)، ولا يعرف الخادم الا عبر الشيئية. وهكذا يكون السيد وحده "القوة النافية الخالصة التي يشكل الشيء بالقياس اليها عدما " : "يـبقى ان العرفان بالمعنى الصحيح للكلمة لا يزال يفتقد احدى لحظاته : تلك التي يُجري فيها السيد على نفسه ما يجريه على الفرد الاخر ويجري الخادم على السيد ما يجريه على نفسه. ومنه لم ينـتج سوى اعتراف من جانب واحد، خالٍ من المساواة ".
       الخادم الذي خاف الموت هو، بالمقابل، وعي بالذات. لما خاف الخادم الموت، "السيد المطلق" (الذي يقر به الجميع دون ان يقر بأحد)، أدرك ذاته وتعرف الى وحدتها وشموليتها : فهو لم يخف على مقـتـنى من مقتـنياته (داره وأمواله...)، ولم يخف على عضو من اعضاء جسمه (يده مثلا...) ، لكنه خاف على كليته من العدم. "ان وعي الخادم قد استشعر المخافة على وجه التحديد، لا بصدد هذا الموضوع او ذاك، لا خلال هذه اللحظة أو تلك، بل في صدد وجوده مجتمعاً، لانه قد حسّ رعب الموت، السيد المطلق. انه اذ حسه، قد تسرب الذوبان الى طياته الدفينة، ودبت الرعشة في اعماقه، وجميع ما قد رسَخَ فيه اهتـز". السيد لا يدرك كلية وجوده ولا وحدته : فهو مبعثر في الاستمتاع ومجزأ في الرغبات. أما الخادم فيدرك مجموع شخصيتـه ووحدتها ويخرجها هكذا من ميدان الاشياء الجامدة لتكون اهتزازاً خالصاً وتحقيقاً للنفي المطلق وللوجود للذات الخالص: "ولكن مثل هذه الحركة الكلية والخالصة، مثل هذه الاذابـة المطلقة لكل بقاء، لتلك هي الماهية البسيطة للوعي بالذات، النفي المطلق، الوجود للذات الخالص، الحالّ اذا في هذا الوعي نفسه".
في الخوف من الموت، يـبطل العبد شيئاً ليحلّ فيه النفي الخالص. وهكذا نعود الى نقطة البداية، أي النقطة التي انطلقنا منها مع قول هيغل : "النفي أي الحرية، أي الجريمة". الخوف من الموت يجعل الموت في داخل الانسان ويحوّل الخادم الى موت نافٍ. وهكذا يجد الخوف نفسه وسط شبكة واسعة من العلاقات تؤكد التمايز عن الاشياء لتنـتقل الى تغيـير الاشياء ذاتها : " فالوعي الخادم يطّلع في السيد على الوجود للذات كأنه شيء مختلف، او هذا القيام للذات ليس الا لـه ؛ وفي الرعب، يحل القيام بالذات به ؛ أما في التكوين Das  Bilden فيصبح له القيام للذات قيامه هو الخاص، وبذا يتوصل الى الوعي بكونه نفسه موجوداً في ذاته ولذاتـه". الخادم يدرك، من الخارج، الوعي بالذات متحققاً في السيد: هذا الوعي هو له وليس بـه.  لكن اهمية هذا الادراك هي اكتـناه ماهية الوعي بالذات، ولو دون تحقيقها. لكن الخادم، بفضل الرعب، يحقق هذا الوعي بالذات في داخله ويصبح اهتزازاً خالصاً ونفياً مطلقاً دون ان يدرك ذلك. أما في العمل ("التكوين")، فتتحقق وحدة ما هو لذاته وما هو بذاته : ينفي الخادم الاشياء ويغيرها، فهو نفي خالص ورفض لكل ما هو خارجي وثابت؛ لكنه ايضاً تصوير للذات النافية في الموضوعات، وتحقيقها، ومـدّها بالبقاء والاستمرارية. وثمـة حلقة وسيطة بين الخوف والعمل هي الخدمة Dienst  : "فبغير قسر الخدمة والطاعة يـبقى الخوف شكلياً ولا ينسحب على الموجود في جميع ما يحضر له بالفعل". الخدمة تعمم الانفصال عن الاشياء واستقلالية الذات وحركتها، لكنها لا تترك بصماتها على الكينونة ولا تغير في سحنـة الاشياء. "بغيـر النشاط التكوينـي يـبقى الخوف خوفاً داخلياً ابكم ولا يصير الوعي وعياً لذاته ". الخوف من الموت والعمل يتكاملان اذا في بلورة صورة النفي : "فالوعي إن أخذ في التكوين دون ان يخبر هذا الخوف الاول المطلق، لم يكن الا مسلكاً لاجـدّ في معناه الخاص؛ فما صورته او نفيـيّته بالنفيّـية في ذاتها... ان الوعي اذا لم ينصهر في الخوف المطلق وقف عند هذه المخافة الجزئية او تلك ، بقي بون بينـه وبين ماهيته النافية، وبقيت هذه دون ان تتغلغل في جوهره" .
       وهكذا تمـرّ خبرة الوعي" بمواجهة الموت عبر الاخر. وبمواجهة الاخر عبر الموت، وبتكامل الخوف والخدمة والعمل .

د. موسوعةالعلوم الفلسفية (ثلاث طبعات: 1817، 1827،       1830)                                    
              التصميم العام
                              
أ‌)      علم المنطق [ الميتافيزيقا ]
[ المنطق الهيغلي هو منطق الواقع وليس منطقا صوريا أو خاويا. بحث كنط في شروط الإمكان، لكن هيغل يبحث في شروط الواقع، في نظام الأشياء ذاته وقد سمَاه هيغل بلغة اللاهوت: "هو الله قبل الخلق". ولم يكن ينقص الله شيئا سوى ظهور هذا المنطق عبر التاريخ. الحياة ذاتها كانت متضمنة في هذا المنطق.
يبنى هذا المنطق من الداخل ويتضمن 3 أنواع من المنطق: منطق الوجود، منطق الماهية المناقض له، منطق التصور الجامع بين الإثنين. وفي هذا المضمار ليس هيغل مجددا، بل هو يستعيد ما قام به أفلاطون في حواراته (بارمينيدوس، السفسطائي، فيلبس...) وأرسطو (المقولات) وكنط (نظام المقولات في "نقد العقل المحض").  يستعيده ويستكمله.]
1.     الوجود (الكم، الكيف، القياس).
2.     الماهية
أ.الماهية مبدأ الوجود (التحديدات الفكرية، الوجود، الشيء).
ب. الظاهرة (عالم الظواهر، المادة والصورة، العلاقة).
ج. التحقق (علاقة الجوهرية، علاقة العلية، التفاعل المتبادل).
3.     التصوّر
أ.التصور الذاتي ( التصور بما هو تصور، الحكم، القياس)
ب. الموضوع (الميكانيكية، الكيميائية، الغائية)
ج. الفكرة (الحياة، المعرفة، الفكرة المطلقة).


ب‌) فلسفة الطبيعة
[ هذا القسم هو الأكثر عرضة للإنتقاد في الفلسفة الهيغلية. وكانت فلسفات الطبيعة في مطلع القرن التاسع عشر تلاحظ توافقا بين اكتشافات الكيمياء والكهرباء وعلوم الحياة ...وقواعد المنطق، فترى في قوانين هذه العلوم (السلب والإيجاب، الانجذاب والنفور...) تحقق المنطق العقلي. لكن ما علاقة فلسفة الطبيعة بالمنطق من جهة، وبفلسفة الروح من جهة ثانية؟
تشكل فلسفة الطبيعة في رأي هيغل الدليل على أن بنيان "المنطق" متحقق في الأشياء وليس انتاجا هلاميا للعقل. العقل موجود في الطبيعة بشكل واقعي، قائم في ذاته وغير مدرك لها. أما موقعها في ما يخص فلسفة الروح فهو مزدوج: من جهة، يقوم الروح على الطبيعة وينغرس فيها: الإنسان مادة ونبات وحيوان قبل أن يكون روحا. ومن جهة ثانية، تتمايز الروح عن الطبيعة وتقوم على رفضها ونفيها.]


1. الميكانيكا.
2.الفيزياء.
3. الفيزياء العضوية (الطبيعة الجيولوجية، الطبيعة النباتية، الطبيعة الحيوانية).

ج) فلسفة الروح

1. الروح الذاتي
    أ.الانتروبولوجيا.
[ نقطة التحول من فلسفة الطبيعة إلى فلسفة الروح: للمرء عرق وجنس وجسد. تحدث هيغل في هذه الميادين قبل الوجودية.]
ت‌. الفينومنولوجيا.
[ يستعيد هيغل هنا باختصار الاقسام الثلاثة الأولى من فينومينولوجيا الروح: الوعي، الوعي بالذات، العقل.]
   ج. علم النفس.

2. الروح الموضوعي:
   ا. الحق (الملكية، العقد، الحق بازاء الاعتداء عليه).
[وسّع هيغل هذا القسم في آخر كتبه مبادئ فلسفة الحقّ، والمقصود بالحق المؤسسات، أي مؤسسات الثقافة والحضارة التي تنتقل بواسطتها الحرية من حلم ومطلب إلى واقع متجسد.]
   ب. الاخلاق (المشروع، النيّة والسعادة، الخير والشر).
  ج. الحياة الاخلاقية (العائلة، المجتمع المدني، الدولة).

3. الروح المطلق:
       ا.الفن.
       ب.الدين السماوي.
       ج. الفلسفة.